
متابعة- شبكة قدس: رغم الألم الكبير الذي يعتصر قلوب عائلات الأسرى المحكومين بالمؤبدات الذين لم تشملهم صفقة التبادل، اختار الأهالي التأكيد على أن وقف حرب الإبادة في غزة أسمى من أي مطلب فردي، وأنّ ما قدّمه الشعب من دماء وتضحيات يجعل كل وجعٍ شخصي تفصيلًا صغيرًا أمام معنى الحياة الجماعية.
من بين هذه الأصوات، برزت كلمات محمد الخطيب، نجل الأسير فخري الخطيب المحكوم بـ(29 مؤبدًا)، التي حملت مزيجًا من الحنين والتسليم. كتب يقول: “من أنا حتى أطالب الوفد المفاوض بأن يكون اسم والدي حاضرًا؟ أنا الطفل الكبير الذي ما زال يحلم بوالده، لكنّي أستأذنكم بحياء أن أقبّل أيديكم ورؤوسكم، سواء كان اسم أبي في القوائم أم لم يكن، فالله هو الذي قدّر لهم الفرج، وقدّر لأبي البقاء.” كانت هذه الرسالة واحدة من عشرات الرسائل التي انتشرت بين أبناء الأسرى، يعبّرون فيها عن إيمانٍ راسخ بأن حرية شعبٍ بأكمله أهم من حرية شخص واحد، مهما كان عزيزًا.
في منشور آخر، كتب علي حامد، نجل الأسير القائد إبراهيم حامد، الذي يقضي حكمًا بـ 54 مؤبدًا: “مرت أكثر من ثلاثٍ وعشرين سنة من الغياب، توزعت بين المطاردة والسجن، ولم ينقطع أملنا بالله أن يكتب لنا لقاء قريبًا رغم مرارة السجن، واليوم تُشكّل مفاوضات الصفقة طاقة أمل وفرح تقرّبنا من اللقاء.” حملت كلماته نبرة تصالحٍ نادرة بين الرجاء والواقع، بين شوق الابن لأبيه وإيمانه بأن اللقاء الأعظم هو حرية غزة نفسها.
أما بلال عرمان، ابن الأسير محمد عرمان، فقد اختار أن يكتب بخجلٍ وصدقٍ في آنٍ واحد: “لا أعلم يا أبي، ولكن أكتب بخجل في ظل ما قدمته غزة. لم أجد في سؤالي عنك إلا الخشية أن أبدو أنانيًا أمام ما يجري هناك. نعلم أن الصفقة لم تشملك، لكن حياة الآلاف التي ستُحفظ بفضلها لا تترك لنا إلا الفخر.” كلمات قليلة، لكنها تختصر معادلة الصبر الفلسطيني حين يمتزج الألم بالكرامة.
وروت صفاء بلال تفاصيل لحظة مؤثرة جمعتها بجدّتها الثمانينية، والدة الأسير معاذ بلال، وكتبت: “جئت مسرعة منذ استيقاظي للتخفيف عن جدّتي، نبأ عدم شمول الصفقة لعمي معاذ بلال الخميسي كان كالصاعقة عليها. دخلت عليها أُمسك دموعي وأصرّ على ابتسامة واهية كي تراني متماسكة، لكنها سبقتني بالقول: المهم غزة وأهل غزة واطفالها الي ماتوا جوع. ما دام بعدها الأميات تبطل تفرح بولادها احنا بخير. وإلي كاتبه الله بده يصير، ابني اختار هالطريق وأنا نذرته لربي وربنا أرحم فيه".
ولم يكن صوت عبد الناصر عيسى، أحد الأسرى المحررين البارزين، بعيدًا عن هذا السياق، إذ كتب من داخل السجن: “كل كلمات الأسى لا تكفي ولا ترتقي لمستوى الحدث، وهو عدم نجاح الأبطال في استنقاذ إخوانهم، لكننا نقول إننا ما زلنا على العهد، وما دام عرق المقاومة نابضًا فلن نفقد الأمل.” بدت رسالته كأنها وصية للأجيال، بأن الإيمان بعدالة الطريق لا يُقاس بعدد الأسماء المفرج عنها، بل بقدرة الشعب على البقاء موحدًا في وجه الإبادة.
وفي موقفٍ لافتٍ، أصدرت عائلة الأسير معمر شحرور بيانًا رسميًا جاء فيه: “رغم الألم العميق لعدم إدراج اسم ابننا ضمن قوائم المفرج عنهم، فإننا نضع مصلحة شعبنا وأمنه فوق كل اعتبار شخصي. نؤمن بأن سلامة أهلنا في غزة وحقهم في العيش بأمن وسلام هو الهدف الأسمى الذي يعلو على كل ألم فردي، وإن تضحيتنا اليوم بصبرنا وانتظارنا ما هي إلا موقف وطني وإنساني.” كان البيان بمثابة تجسيدٍ للوعي الجمعي الذي انتصر للحق في الحياة قبل أي شيء آخر.
وفي هذا السياق، أكدت حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بيانٍ ثلاثي أن الاحتلال حاول بكل الوسائل “تفجير المسار التفاوضي وتعطيل الاتفاق، ومساعي نتنياهو لإطالة أمد الحرب ووأد أي فرصة لوقف العدوان”، غير أن الوفد الفلسطيني المفاوض “وضع نصب عينيه مطالب أبناء شعبنا بوقف حرب الإبادة”، وأن ما تم التوصل إليه “يُعدّ خطوة جوهرية نحو المطلب المُلِح لشعبنا، وهو الوقف النهائي للحرب الإجرامية، وإنهاء العدوان على غزة، وانسحاب الاحتلال ورفع الحصار”.
وأضاف البيان أن “ما توصلنا إليه فشل سياسي وأمني لمخططات الاحتلال، وكسرٌ لأهدافه في فرض التهجير والاقتلاع، وهو تحقيق جزئي لإنهاء معاناة شعبنا وتحرير المئات من أسرانا الأبطال من سجون الاحتلال”، معتبرًا أن الصفقة “خطوة تعبّر عن صلابة المقاومة ووحدة الموقف الوطني، وإصرار شعبنا على نيل حريته وكرامته”.
للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا